علاج ذاكرة السمك
- ضياء البرنس

- 20 أغسطس 2020
- 4 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 26 مايو 2022
ضياء البرنس ... يكتب: علاج ذاكرة السمك ...

قرأت خبر مباحثات السلام الثلاثية “الإمارات – إسرائيل” برعاية أمريكية وما سيتبعها من اتفاقيات وشراكات اقتصادية، وقد نزل عليًّ كالصاعقة، لكن مع قليل من التدبر لأحداث سابقة بدأت أرى صورة مختلفة، سأعرضها لكم ونراها سوياً:
بداية من عام 1948 تكبدت مصر الكثير من الشهداء من رجال الجيش المصري والتي قد وصلت لعشرات الآلاف، دفاعاً عن أرض فلسطين الغالية على كل العرب ومسلميهم ومسيحيهم فهي أرض الأديان ومهد رسالات.
وفي عام 1973 انتصرت مصر على الكيان الصهيوني المحتل لأرض مصر “سيناء” والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتم طردهم بعد هزيمتهم شر هزيمة، وفي عام 1978 تظاهر الرئيس الثعلب “السادات” بالرضوخ للضغوط الدولية وعمل بالمثل المصري القائل: “اللي يجي بالغصب خده بجميلة”، وظهر أمام العالم كله صاحب أكبر انتصار عسكري تاريخي على “العدو الذي لا يقهر” وصاحب أول مبادرة للسلام مع الحفاظ على حدود الأراضي الفلسطينية المسماة بحدود 1967، سابقاً أقرانه بنصف قرن، والتي كانت سبب اغتياله في 1980.
وقارنت بين موقف الامارات وموقف القاهرة في ذات الوقت وعجزت عن التبرير، إلا في بند وقف المد الاستيطاني الصهيوني لكن..! يجب أن يحذر كل العرب فاليهود لم يحافظوا من قبل على عهد لهم حتى الآن إلا مع مصر بعد 73.
وفي 1987 ظهرت حركة “حماس”، تحمل لواء المقاومة لكن الغريب أن مع مرور الوقت وبظهور هذه الحركة المشبوهة اختفت حركات مقاومة مثل “فتح” وتقلص دور منظمة التحرير الفلسطينية حتى أن آخر مساعي الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” في 2011 بمقعد مستمع بالأمم المتحدة تم تعليقه؛ بسبب ممارسات “حماس” التمثيلية التي عقبت الطلب وبغرض إظهار الفلسطينيين بالإرهابيين، ومن وقتها تقريباً انتهت المقاومة الفلسطينية. ثم تأكدنا جميعاً أنها امتداد على أرض فلسطين لجماعة الإخوان الإرهابية في مصر، فزال تعجبي من اختفاء المقاومة الفلسطينية.
ورصدت في ذهني مع هذه الأحداث.. الوفاق بين حركة “حماس” الإخوانية و”حزب الله” الإيراني في لبنان ثم الوفاق بينهم وبين الرئيس التركي رجب أردوغان، على غير المعتاد إذ اعتبرنا أن جماعة الإخوان الإرهابية من “السنة” وحزب الله الإيراني من “الشيعة” وبرعاية تركية علمانية، الغريب أن أول الدول التي اعترفت بـ: “إسرائيل” كدولة كانت “تركيا”، وهناك العديد من الشراكات الاقتصادية والعسكرية بين الكيانان. فأيقنت من باع القضية ومن أنهاها قبل خوضها.
في عام 1989 وبعودة طابا على يد الرئيس الوطني المخلص محمد حسني مبارك.. ترسخ في ذهني أنه لا تفريط في شبر واحد من أرضنا الغالية “مصر”، وظل الكيان الصهيوني المحتل في نظري ونظر كل المصريين هو العدو اللدود المتربص بنا خاصة مع كل التمديد للمستعمرات في الأراضي الفلسطينية.
وفي عهد الرئيس مبارك رفضت الدولة المصرية مقترح الوطن البديل للفلسطينيين في “شمال سيناء وقطاع غزة” مقابل جزء من صحراء النقب وممر إلى الأردن ذو سيادة مصرية أسفل الأراضي الفلسطينية المحتلة “إسرائيل”، وهو ما أسموه لاحقاً “صفقة القرن”.
فكانت نهاية عهده بكفالة أمريكية بـ: 8 مليارات دولار تم دفعهم للجماعة الإخوانية ويسأل عن ضياعهم الرئيس السابق أوباما أمام الكونجرس الأمريكي، وذلك برغم أن اتفاقيات مد الغاز الطبيعي والمياه كانت محاولة من الدولة المصرية السيطرة والتأثير على الكيان الصهيوني بالمصالح المشتركة، لكن القضية لديهم أمر عقائدي “من النيل للفرات”.
وفي 2016 تذكرت ما دعا له الرئيس السيسي الكيان الصهيوني “إسرائيل”؛ بصنع سلام حقيقي مع الشعب الفلسطيني يحفظ لهم حقوقهم في الأرض والحياة الكريمة، وعقبه في 2017 بتحذير ضمني بأن إسرائيل لن تنعم بالأمن طالما الصراع مستمر.
وفي 2017 صرح محمد بن راشد بأن: المساس بالقدس هو مساس باستقرار المنطقة وتمكين لخطاب متطرف. فتابعنا عقب هذا التصريح مجموعة من التحركات القضائية العائلية ضده وتم تحييده عن القضية واختفى عن الساحة السياسية. وذلك تمهيداً لما قامت به أمريكا في نهاية 2019 بعد 12 يوم من انتشار وباء كورونا – مستغلة حالة الفزع التي بثها وساعد على انتشارها المستفيدون- بإعلان القدس عاصمة أبدية غير مقسمة للكيان الصهيوني المحتل “إسرائيل”. وتباهى “ترامب” أمام شعبه بهذا الإجراء.
وفي أكتوبر 2018.. زلزل كياني؛ تصريح للقائد الأمين الرئيس عبد الفتاح السيسي قرر فيه حديثاً عن الانتصار التاريخي في 1973؛ بأن “الجيش المصري اللي قدر يعملها في 73 قادر يعملها مرة أخرى”.
فكانت رسالة للعالم أجمع مع تحركات مصر لزيادة قدراتها العسكرية وآليتها أنها أصبحت خط أحمر وعادت لموقعها كقوة عظمى بالمنطقة. مؤكداُ على أن الشعب المصري لم ولن ينس للكيان الصهيوني اغتصاب الأرض.
وفي 2019 وبعد انهيار شعبية الرئيس الأمريكي “ترامب” بسبب ما تم فضحه من إجراءات مواجهة الجائحة واستعداداً للانتخابات القادمة كان لابد من إجراء يجذب مصادر القوة في المجتمع الأمريكي كـ: “منظمة الآيباك الصهيونية” لإعادة انتخابه لفترة رئاسية أخرى خاصة بعد انهيار مخطط ما أسموه “صفقة القرن أو الوطن البديل” برفض مصر والسعودية والأردن.
ولعدم قدرة “ترامب” وإسرائيل على عقد هذه الاتفاقية مع دولة مثل “مصر أو السعودية” – فلشعوبها حساسية خاصة للقضية الفلسطينية – لتحقيق مصلحته من الانتخابية ومصلحة “إسرائيل” للتسلل إلى المجتمعات العربية فكانت دولة الإمارات هي الهدف وتم استدراجها بالجزرة “وقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية”، كبوابة تمهيدية للتطبيع الحقيقي “العربي – الإسرائيلي”، فضلاً عن الممارسات الإسرائيلية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بتبني تعايش الفلسطينيين وشبابهم وانخراطهم في الجيش الإسرائيلي والحياة العامة بعد أن باعت “حماس” القضية وجوفت القضية لدى الشباب العربي.
لكن..!! كلي ثقة.. أن الجانب الإماراتي لن يكون من السهل عليه الانصياع ومجاراة هذه الحيلة إلا إذا كان ذو ثقل سياسي قادر على فرض تنفيذ بنود التعاهد وما سيليه من اتفاقات ومعاهدات على الجانب الإسرائيلي.
وقد قرأت تصريح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على “تويتر” تعقيباً على هذا الموقف الثلاثي بقيادة “أمريكا” على أنه فقط: موافقة دبلوماسية لحث الجانب الإسرائيلي على تقديم التنازلات لصالح الشعب الفلسطيني خاصة بعد الإعلان عن بند “وقف الاستيطان” لإنهاء حالة الصراع “اللاحرب واللاسلم” التي تعيشها إسرائيل مهددة بين العرب، وقفاً لأي متاجرة بالقضية من جانب أطراف أخرى مازالت تتربح من تلك الحالة، وذلك استجابة لما دعا إليه السيد الرئيس بالأمم المتحدة 2016 و2017.
لذا وجب التحذير.. من صهاينة اليهود؛ فهم لن ولم يحافظوا من قبل على عهد لهم حتى الآن إلا مع مصر بعد هزيمة 1973، أي أن الكيان الصهيوني لن يلتزم بأي تعهدات إلا من موقف قوة وورق حقيقي للضغط. وأنصح باستخدام كامب ديفيد وإدخال مصر في تلك المفاوضات وتبني القيادة المصرية إلزام إسرائيل بنصوص كامب ديفيد بشأن حدود 67. وقتها لن أخشى على القضية الفلسطينية وأيضاً طالما تم علاج ذاكرة السمك لدى الشباب العربي ويتذكر هذه الأحداث وتعيها الدول العربية وقادتها المخلصين.
ودعواتي لشعب مصر الأصيل الذي يدعم الدولة المصرية ويساندها في هذه الظروف الصعبة وللسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد الأمين.. وحفظ الله مصر وشعبها.
مقالي المنشور بـ : #هاشتاج_مصر




تعليقات